مع ازدياد الطلب على خدمات الذكاء الاصطناعي و استعمالاته كان لزاماً علينا تعريف الشباب و من حولنا بماهية هذه التقنية و كيفية عملها. هذا المقال الأول من سلسلة مقالات التعريف بأحدث تقنيات الذكاء الأصطناعي.
لعلّ أهم حدث في مجال الذكاء الاصطناعي هذا العام (حتى تاريخ المقال) هو اطلاق شركة openAI لمنصة chatgpt والتي شببها بعض الخبراء باكتشاف النار في العصور القديمة، أو اختراع العجلات، أو اختراع المحركات البخارية في الثورة الصناعية. في هذا المقال سنتطرّق لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي و كيفية عمله، طرق الاستفادة منه، حدود قدراته و تطلعات لمستقبله.
ChatGPT بالأرقام
في نهاية عام 2022 أطلقت شركة openAI منصة chatgpt و التي فاق عدد مستخدميها المليون في أول خمسة أيام فقط! و يقدر عدد مستخدميها الآن بما يزيد عن مليار مستخدم! تكلفة خوادم هذه المنصة يقارب المائة ألف دولار في اليوم الواحد، أي ٣ مليون دولار شهريا! و قد وصل تقييم هذه الشركة إلى ٢٩ مليار دولار في السوق العالمية. فما الذي أوصلها لهذا النجاح؟
البداية!
قبل الحديث عن الأمور التقنية أنوه لضرورة مراجعة محاضرة “الذكاء الاصطناعي و استخداماته في عالم الهندسة” لما تحويه من امور أساسية في فهم طريقة عمل تقنية الذكاء الاصطناعي و التي يصعب حصرها في هذا المقال.
بدأت أبحاث gpt أو Generative Pre-training Transforms كشبكات عصبية اصطناعية بهدف معالجة اللغة الطبيعية بما يعرف بNatural Language Processing أو NLP و التي تعمل على تحليل النصوص اللغوية و دراسة العلاقات بين الكلمات في الجمل المفيدة. أولى ثمار هذه الأبحاث كانت في برامج توقع الكلمة التالية خلال طباعة النصوص، كالتي تجدها في هاتفك عندما تقدم لك مقترحات للكلمات التالية بينما تقوم أنت بطباعة نص ما.
GPT-1
أولى منتجات شركة openAI كانت GPT-1 عام 2018 و هي احدى هذه النماذج التي تحتوى على حوالي ١١٧ مليون عامل متغير في برمجياتها ما سمح لهم بتدريبها على أكثر من ١١ ألف كتاب و نصوص مأخوذة من الإنترنت تحتوي على مليارات الكلمات. النموذج الأول كان مذهلا في الوسط التكنولوجي حيث استطاع تقديم نصوص صحيحة و واضحة مع تغير الأسئلة و دون أخطاء لغوية. إلا أنه كان دائما ما يكرر المعلومات و النصوص كما و أنه كان يقدم اجابات غير صحيحة او غير مفهومة اذا ما سئل عن معلومات من خارج موسوعة النصوص التي دُرّب عليها.
GPT-2
ثاني منتجات الشركة كانت GPT-2 عام 2019، والتي احتوت على 1.5 مليار عامل متغير ما مكنها من استيعاب و تحليل عدد أكبر من الكلمات أثناء عملية التدريب. أجوبة GPT-2 كانت أكثر بشرية و عفوية و دقة من سابقتها إلا أنها كانت تعاني من تشتت الأفكار حين يطول السؤال أو يكون معقداً. و هذا ما دفع الشركة للعمل على ما سيشكل ثورة في عالم عصر التكنولوجيا الحديث.
GPT-3
عام 2020 كان دوى جرس الإنذار للشركات الكبرى مع إطلاق GPT-3 من شركة openAI. هذه المرة أصبح النموذج أكثر “ذكاءاً” لاحتواءه على حوالي 175 مليار عامل متغير. هذا النموذج تطور فيما بعد ليتم تقديمه أواخر عام 2022 على شكل روبوت دردشة عرف ب chatGPT. قدرة التحليل الضخمة التي يملكها هذا النموذج بسبب عدد العوامل المتغيرة فيه سمحت له بدراسة أكثر من مجرد نصوص و كلمات بل بات يستطيع فهم معظم لغات البرمجة و كتابة اي كود تطلبه منه شرط أن لا يتعدى 2048 حرفاً. و في ليلة و ضحاها أصبح الناس يستخدمون chatGPT في معظم وظا~ف أعمالهم، تارة يطلبون منه صياغة نص إعلاني لمنتجاتهم، و تارة يطلبون منه كتابة رسالة بريد إلكتروني بطريقة احترافية، بعضه يطلب منه تلخيص الكتب، و البعض الآخر يطلب منه المساعة في حل الفروض للمدرسة أو الجامعة.
و هنا بدأت مشاكل هذا النموذج بالظهور، حيث لم يستطع حل مسائل حسابية بسيطة كما و أنه بات يخطئ في تقديم المعلومات التاريخية و هذا ما أظهر المطورين الخطأ الذي ارتكبوه. مع قدرة النموذج التحليلية الضخمة كان من المستحيل انتقاء المعلومات الصحيحة من النصوص التدريبية فتم تدريب النموذج على نصوص عشوائية تم جمعها من الانترنت باستخدام زواحف الويب أو web crawlers و هي برمجيات شبيهة بمحركات البحث تجمع المعلومات من الانترنت لكن دون التأكد من مصدرها أو صحتها.
الحاضر:
مع تهافت الناس على استخدام منصتهم و كذلك تهافت الشركات الناشئة لربط منصة ChatGPT بمنتجاتهم، قامت openAI بخطوة جريئة و خطيرة و هي إطلاق نموذجGPT-4 ! لم تعلن الشركة عن قدرة هذا النموذج التحليلية و البيانات التي تم تدريبه عليها إلا أنها قامت بعرض “عضلاته” في المنتصف من آذار 2023 حيث صرحت أن هذا النموذج لم يعد مقتصراً على تحليل النصوص فقط و إنما بإمكانه تحليل الصور كذلك. و في المؤتمر قام أحد الموظفين برسم واجهة موقع بسيطة باستخدام الورقة و القلم و صورها بهاتفه و أرسل الصورة لchatGPT-4 والذي قام بكتابة كود الhtml لهذه الواجهة! كما و قامت شركة مايكروسوفت بدمج هذا النموجع بمحرك البحث bing الخاص بها ليعطي المستخدم تجربة أفضل في البحث.
مع هذا كله، فقد تم تقويض و تحديد قدرات هذا النموذج خوفاً من سوء استخدامه لأعمال مضرة، ككتابة الفيروسات إذ بات بإمكان المستخدم أن يجد الثغرات في البرامج بسرعة أكبر باستخدام هذا النموذج.
المشاكل الحالية:
أولى المشاكل التي يجب على المستخدم التنبه لها، دقة المعلومات. وذلك يعود لعدم تصنيف المعلومات والنصوص التي استخدمت لتدريب النموذج من قبل المبرمجين، و السبب الثاني أن معلومات التدريب هذه تتوقف عند شهر سبتمبر 2021 حيث أن المبرمجين جمعوا هذه المعلومات حتى ذلك التاريخ و قاموا بتدريب النموذج عليها، لذلك قد تجد معلومات لا يعرفها مثل “من فاز بكأس العالم لكرة القدم 2022”. أيضاً، لا يمكن الإعتماد على قدراته الحسابية، فهو بالأصل نموذج صنع لتحليل النصوص و ليس حساب الأرقام.
النظرة المستقبلية
في محاولة من الشركة لتدارك قدرات النموذج الحسابية وقعت مع شركة Wolfram المختصة بخوارميات التحليل الحسابي لدمج قدرة منصتهم الحسابية مع نموذج GPT لتدقيق اجاباته الحسابية قبل تقديمها للمستخدم. كما وأن مجتمع البرامج مفتوحة المصدر يساعد كثيرا في تطور هذه التقنية. مثلاً، تم تطوير برنامج يدعى AutoGPT وهو يتم ربطه بchatGPT عبر الAPI حيث يمكنك اعطاءه مهمة معقدة لا يمكن لchatGPT حلها بمفرده و هو سيقوم بالبحث عبر الانترنت عن المعلومات اللازمة و يتحث مع النموذج تلقائياً عدة مرات حتى يصل لما طلبه المستخدم.
كل ما ذكر سابقا، دفع الناس للإنقسام في توقع مستقبل هذه التكنولوجيا، حيث صرح إيلون ماسك عن خوفه الشديد من سيطرة هذه التكنولوجيا على العالم في مستقبل أسود للبشرية حيث سيخترق الذكاء الإصطناعي المصارف و الشركات و يتحكم بكل أوجه الحياة البشرية، بينما يصر بيل غايتس على أن الذكاء الإصطناعي سيساعد في تخفيف معانات البشرية في المستقبل القريب من خلال اكتشاف العلاجات و الأدوية، محاكات الأوبئة و توقعها مسبقاً، وغيرها.
برأيي المتواضع فإن هذه التطورات شهدتها البشرية سابقاً مع اختراع المحرك البخاري، ثم مع اختراع الكمبيوتر والبرمجة. بطبيعتنا البشرية فإننا نخاف من المجهول، لذلك بدل أن نسعى لمواجهة هذا التطور لا بد أن نعمل جاهدين لمواكبته والاستفادة منه.
ختاماً، أود أن أشدد على أن نماذج GPT هي مجرد أداة لتحليل النصوص و ربط الكلمات ببعضها حسابياً و مهما وجدت الأجوبة مقنعة و تبدو بشرية تأكد أنه لا يمكنه فهم الفكرة و تحليلها و البناء عليها!
ختاماً، أذكر بالمحاضرة التالية لفهم طريقة عمل الشبكات العصبية الإصطناعية.