عملة الPi Network: قاتلة البيتكوين أم طفيليات تتغذى على شهرة العملات التشفيرية الأخرى؟

مؤخرا، أصبح يصلني الكثير من الدعوات لإنشاء حساب على منصة Pi Network و أنها عملة المستقبل و سنجني الملايين إذا ما استثمرنا فيها. لذلك أردت كتابة هذا المقال بعد البحث و التدقيق عن هذه المنصة و هو موجه لكل من دخل في عالم الPi Network أو يفكّر في ذلك.

أولاً، سأبدأ بشرح ما هي الPi Network و ما ظاهر عملها، ثم سأذكر بعض الملاحظات و النقاط المهمة التي وجدتها أثناء البحث.

الPi Network، يروج لها أصحاب الشركة على أنها عملة تشفيرية جديدة cryptocurrency، و أنها متاحة للجميع و يمكن “تعدينها” عن طريق الهاتف و لست بحاجة إلى أجهزة كمبيوتر باهظة الثمن و معالجات ضخمة كما هي الحال مع البيتكوين. و لتحصل على هذه العملة كل ما تحتاجه هو تحميل التطبيق Pi Network على جهازك، إنشاء حساب باستخدام رقم هاتفك أو حسابك على فيسبوك، و ليس عليك سوى فتح التطبيق كل ٢٤ ساعة و الضغط على زر لتأكيد وجودك على الشبكة و هناك نسبة ربح معينة مثلاً 0.5 Pi في الساعة، و هذه تقل كلما زاد عدد المشتركين في الشبكة.

و اذا أردت أن تزيد نسبة “التعدين” لديك يمكنك إرسال دعوات من حسابك إلى أصحابك ليشتركوا في الشبكة و بذلك تأخذ نسبة عن كل من اشترك في الشبكة عن طريق حسابك. الجدير بالذكر الآن أن العملة حاليّا تساوي صفر في القيمة المادية، لأنه بحسب قول الشركة أنها لم تطرح في السوق و أنها ما زالت في مرحلة التطوير.

هذه عملة الPi Network باختصار، لكن قبل ذكر بعض الملاحظات لا بد من توضيح بعض الأفكار. يلجأ أصحاب فكرة Pi إلى استخدام مصطلح “تعدين” أو Mining كلما سنحت الفرصة لذلك حتى أن الموقع الرسمي يدعى minepi، لذلك يجب علينا فهم عملية التعدين في الblockchain لنرى ما إذا كان هذا صحيحا. يمكنك قراءة شرح عمل الblockchain في مقال سابق من هذا الرابط( الblockchain الإسلامي:http://bit.ly/3pf07Yb ). لكن باختصار، تكنولوجيا الblockchain قائمة على مبدأ الdecentralized data، بمعنى أنه لا يوجد مكان واحد فقط لحفظ و تحليل المعلومات، و أنت عندما تقوم ب”تعدين” البيتكوين مثلا، فإنك تعطي قوة المعالج أو الكمبيوتر لديك للشبكة لحفظ و تحليل المعلومات و بالمقابل تحصل على البيتكوين. و بما أن عدد البيتكوين محدود في العالم (٢١ مليون وحدة) فكلما قل عدد البيتكوين زاد الطلب عليها و أصبح تعدينها أصعب و مكلف أكثر. لكن في عالم الPi السحري لست بحاجة لكل هذا، حيث يدّعي أصحاب الفكرة أنهم اخترعوا خوارزميات معينة لتحليل هذه الداتا بمعالجات بسيطة جدا مثل الهاتف. و هنا لدي رجاء من كل من حمّل التطبيق و بدأ بستخدامه، اذا أطفأت الهاتف لمدة ٢٤ ساعة و ثم قمت بتشغيله فقط لمدة دقيقتين لتضغط على الزر هل تحصل على النسبة اليومية أم لا ؟! أغلب ظني أنه ستحصل عليها، لأن الكثير ممن استخدم التطبيق و راقب استخدام المعالج فيها كانت النسبة صفر على مدار ال٢٤ ساعة و بالمناسبة اذا كان لديك هاتف بمعالج قوة و هاتف آخر بمعالج ضعيف ستحصل على نفس النسبة اليومية! إذا فإن موضوع التعدين على معالج الهواتف كذبة واضحة لا يمكن انكارها الآن.

ثانياً، اذا كان ما يدعيه أصحاب الفكرة صحيحا و أنهم يريدون أن تكون العملات التشفيرية متاحة للجميع، فلماذا يبقون التطبيق مغلق المصدر ؟ إن من قوة البيتكوين مثلا أنها مفتوحة المصدر و يمكن لأي شخص قراءة الكود الخاص بها. لكن هنا نجد أنهم لم يجعلوا التطبيق مفتوح المصدر و بالتالي لا يمكنك معرفة ما يفعله التطبيق على هاتفك. و هذا يضع علامات استفهام عدة، و اذا ما أردت مراجعة الصلاحيات التي يطلبها التطبيق أثناء التحميل ستجد ما هو مريب، فأول ما يطلبه الحصول على قائمة الأسماء من الهاتف، و قراءة التنبيهات و مراقبة الشبكات المتصلة بالهاتف، التحكم باهتزاز الهاتف، و غيرها (مرفقة بالصور). و ما هو أكثر ريبة، أنه يطلب منك تسجيل الدخول على التطبيق من حساب فيسبوك أو رقم الهاتف، إذا أنت تعطي هذا التطبيق ملفك الشخصي و كل من حولك عن طريق الأسماء في هاتفك و لا يمكنك أن تعرف تحديدا ما يفعله على هاتفك! بينما تجد في عالم البيتكوين أن السرية في الحسابات هي الأساس فلا يمكنك أن تعرف صاحب الحساب لأنه بكل بساطة عبارة عن رقم تسلسلي ليس متصلا بأي حسابات على أي من المنصات الأخرى.

اذاً، وصلنا إلى أن التطبيق لا يقوم بالتعدين على الهاتف، و يأخذ معلومات خاصة من هاتفك و لا يمكنك معرفة ما يقوم به. و للأمانة العلمية لا يمكنني معرفة ذلك أيضاً، لكن بعض المعلومات المهمة التي وردت خلال البحث قد تشكل صورة أولية لذلك.

من الغريب في الموضوع، الأسلوب الذي يتبعه أصحاب التطبيق في نشره، فقد وجدته يشبه بشكل كبير أساليب التسويق الهرمي pyramid marketing scheme و network marketing. فإذا أردت زيادة ربحك لا تقوم بزيادة قوة المعالج إنما ترسل دعوات لأصدقائك. و هذا ما دفعني للبحث أكثر عن إختصاصات أصحاب المشروع، فوجدت أن د. نيكولاس كوكاليس، “مدير التكنولوجيا” في الشركة، لديه دكتوراه في هندسة الكمبيوتر و متخصص في علم التسويق سريع الإنتشار على منصات التواصل الإجتماعي Viral Marketing، و له عدد من التطبيقات على فيسبوك و myspace مع أكثر من ٢٠ مليون مستخدم و هو مؤسس شركة gameyola و هي شركة تقدم خدمات إعلانية مدفوعة باستخدام ألعاب الفلاش على منصات التواصل الإجتماعي و قد حازت الشركة على جائزة fbFund عام ٢٠٠٩ من فيسبوك و تعمل على تواصل وثيق معها، و هذا ما قد يفسر إستخدام حساب فيسبوك لدخول تطبيق Pi Network.

و اذا ما انتقلنا إلى الشريك الآخر، د. شيغنداو فان، “مديرة المنتج” في الشركة، نجدها بعيدة كل البعد عن هذه التكنولوجيا، فهي متخصصة في علم الإنسان computational anthropology و هو دراسة و تحليل تصرفات الإنسان الإجتماعية و ربطها بالحضارة باستخدام أدوات حديثة متعددة مثل تحليل الشبكة الإجتماعية social network analysis، و جمع المعلومات data mining، و معالجة اللغة الطبيعية natural language processing، و غيرها بهدف فهم الطبيعة البشرية و القدرة على توقع تصرفات الإنسان المستقبلية. كل هذا يضع علامات استفهام كثيرة حول أهداف هذا المشروع خصوصا و أننا لم نرى أي اهتمام بهذه العملة من خبراء و رواد العملات التشفيرية في العالم. مجرد رقم يظهر لك على التطبيق ليس له أي قيمة مادية في الوقت الحالي، و لن يصبح له أي قيمة في المستقبل دون زيادة الطلب عليه، و كيف يمكن زيادة الطلب على ما هو متوفر بكثرة بين الناس؟!

ختاماً، ان ما يحدث في Pi Network يذكرني بعملة Onecoin التشفيرية التي أسستها سيدة الأعمال البلغارية Ruja Ignatova عام ٢٠١٤ و في عام ٢٠١٦ سرقت ما يعادل ١٦ مليار دولار و اختفت باستخدام الponzi scheme بأكبر عملية نصب في التاريخ.

قد لا يكون الهدف من Pi Network سرقة أموال الناس، لكن ما أستطيع تأكيده أنها لن تزيد فلساً واحداً في أموالك و بالمقابل تجمع معلومات المستخدمين و تكوّن شبكة ضخمة لا ندري الهدف منها حتى الآن.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *