ما مررت على نقاش إسلامي محتدم بين شخصين إلا و كان أصل الخلاف على حديث هل هو صحيح ام لا أو على تفسير آية معينة. البعض اتخذ طلب العلم سبيلا، فتجده يخشى أن يذكر حديثاً قبل التأكد من صحة روايته. و البعض الآخر اتخذ إلهه هواه، و اتبع مقولة ديكارت :” أنا أفكر اذا انا موجود!” و ضرب بعرض الحائط جهد ما يزيد عن نصف مليون إنسان في علم الحديث منذ ١٤٠٠ عام إلى يومنا هذا و صار يخوض في الدين و يتجرّأ كما لم يفعل أحد قبله.
و للأسف تقصيرنا في طلب العلم جعلنا ضعفاء أمام تدليس هؤلاء و فتح المجال لهم لتشويش أفكارنا، تارةً بدعوى تجديد الدين و تارةً لنشر الدين الإبراهيمي، و أخرى بدعوى منع احتكار الدين و اقتصاره على “العلماء” و غيرها الكثير.
يا أحباب، تعرفون ما همّ العالم التكنولوجي اليوم و أين توضع اكبر الإستثمارات المادية؟
١- الأمن السيبراني – cyber security
٢- تكامل البيانات – data integrity
أهمية الأمن السيبراني تكمن في حماية الأنظمية التكنولوجية من الإختراق. و تكامل البيانات يهدف إلى حماية البيانات من العبث بها. فترى الشركات تدفع ملايين الدولار بهدف حماية انظمتها من الإختراق و كذلك يتم اختراع تكنولوجيات جديدة لحماية البيانات من العبث. أحدثها تقنية البلوك شاين Blockchain التي تعتمد اللامركزية في حفظ بياناتها و هنا موضع النقاش. (الرجاء مراجعة المقال السابق بعنوان “البلوكشاين الإسلامي” لمعرفة التفاصيل التقنية – الرابط أسفل المقال)
تقنيًّا أي شخص يريد دخول عالم تعدين العملات التشفيرية لا بد له أن يستحوذ على ledger و هي لائحة تتضمن كل عمليات التحويل التي جرت منذ بداية عمل هذه البلوكشاين (لنقل في حالة الbitcoin). و بذلك تكون الشبكة قد نشرت بياناتها عند جميع من يقوم بالتعدين و تقوم بالتحقق من هذه البيانات بشكل متواصل، فمن يريد تغيير هذه البيانات لا بد له من اختراق اكثر من نصف الأجهزة التي تقوم بالتعدين في نفس الوقت، و هذا شبه مستحيل.
اذا جاء شخص متأخر و يريد التعدين عليه أن يأخذ نسخة كاملة من الledger و يطابقها مع باقي الموجودين على الشبكة ليُسمح له بالتعدين. و في حال حاول تغيير هذه البيانات يُكشف على الفور و يتم فصله عن الشبكة حتى يعود و ينسخ البيانات الأصلية من جديد.
هذا أحدث ما توصل له العلم. ثم يأتي من يقول لنا “خراقة علم الحديث” أو يستهزئ بهذا العلم “كلها صفحات عن عن عن عن”، أو من يتجرأ و يقول “هذا التفسير لم يسبقني إله أحد من قبل” أو يتطاول على من أفنى عمره في تخريج الأحاديث بين صحيح و ضعيف و هو لا يحسن قراءة الفاتحة. تراهم يحاضرون بأن “أنظر للغرب و تقدمه” و إذا أريتهم جمال و تقدم علوم أسلافنا زاغت أبصارهم يمينة و يسرة.
الشاهد من هذا الكلام، قول الإمام مالك رحمه الله”لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها” و قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ ) . رواه ابن ماجه. فإذا عاد كل منّا لطلب الحق من منابعه أُقفلت الطرق على كل مدلّس يريد تحريف و تبديل ما نزل من عند رب العالمين. فإذا رأيت من يريد تفسير الآيات او نقل الأحاديث النبوية، إسأله عن “تكامل بياناته” قبل ذلك.
المراجع:
رابط مقال “البلوك شاين الإسلامي”: https://mostafanajim.ml/mostafanajim/blockchain-%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a/