أكثر جدل قائم حول الألعاب الإلكترونية حالياً، يدور حول مدى خطورة هذه الألعاب على الأطفال و تأثيرها السلبي على تفكيرهم و شخصيتهم و ادخال العنف إلى أفعالهم و تعاملهم مع الآخرين. سأحاول في هذا المنشور قلب المقياس من السلبي للإيجابي بتسليط الضوء على بعض حسنات الألعاب الإلكترونية عند الأطفال.
بدايةً، دعونا نُبسط مبدأ الألعاب الإلكترونية. إن جميع هذه الألعاب قائمة على مبدأ الثواب و العقاب، فإذا لم تحسن اتمام المهمة تخسر نقاط معينة و إذا أتممتها بنجاح تُكافأ بنقاط إضافية. و بهدف جذب اللاعب في كل مرة ينهي مرحلة بنجاح تكون المرحلة التالية أكثر صعوبة لتزيد من حماس اللاعب و اصراره على المتابعة.
أولاً، اذا ما أردنا الخوض في علم النفس عند الأطفال و أسس التربية نجد أن مبدأ الثواب والعقاب يطغى عند الكثير من هذه المدارس الفلسفية. و كل الآباء و الأمهات يطبقون هذه النظرية مع أولادهم سعياً لتعليمهم أسس و قواعد حياتية جديدة. و في بعض الأحيان نجد عدم تقبل من طرف الأولاد لهذا النظام ككل فتكبر عندهم نزعة “الثورة على كل شيء” و عدم تقبل “النظام” فترى بعضهم “يتطرّف” بتصرفاته او ملابسه او تسريحة شعره و يبدأ الأهل بالتذمر من أولادهم. بينما تجد أن الألعاب الإلكترونية تجبر الولد على الإنصياع لقانونها لكي ينال الثواب و يتجنب العقاب و هذا يساعد على زرع تقبل هذا النظام في اللاوعي عند الأطفال فهم فعلياً يطبقونه في الألعاب فيصبح تطبيقه في الحياة أسهل عليهم.
النقطة الثانية تدور حول الإنجازات الحياتية، فبعد أن رأى العلماء و المتخصصين التعليميين مدى تأثير الألعاب على الأطفال، ابتكروا مبدأ الgamification و هو تحويل العملية التعليمية إلى لعبة بمبدأ الثواب و العقاب و تتضمن اللعبة إكتساب مهارات و معلومات جديدة لاجتياز المراحل بنجاح و نيل الثواب. و غالباً ما تكون هذه الأنشطة على شكل ألعاب جماعية يتشارك بها مجموعة من الأطفال لتعزيز روح المشاركة عندهم او فردية لتعزيز مبدأ الإعتماد على النفس عند الطفل لنيل ما يريد. و الgamification يعتبر من أحدث أساليب التعليم و أكثرها فعالية مع الأطفال و الكثير من دول العالم تعمل على دمج هذا الأسلوب في مناهجها التعليمية.
والنقطة الثالثة و الأخيرة تدور حول الانضباط و الإصرار. حين ترى طفلاً يصب كل تركيزه على اجتياز مرحلة معينة في لعبة يلعبها و يكرر نفس الخطوات بانضباط و تركيز حتى ينجح بذلك تأكد أن هذا يزيد من انضباط الطفل في الحياة اليومية و إصراره على تخطي الصعوبات. لنأخذ مثالاً واقعنا اليوم مع جائحة كورونا، الكثير من الناس تجده يلتزم يوماً بالإجراءات الوقائية على المستوى الشخصي و أيام أخرى يتذمر من هذا او يخلع كمامته او لا يراعي المسافة الآمنة. لكن في المقلب الآخر، تجد من تعزز في لاوعيه مبدأ الثواب والعقاب و الإنضباط و الإصرار يطبق الgamification في الحياة اليومية و يعتبر هذه الجائحة ليست سوى إحدى المراحل التي سيجتازها ليفوز باللعبة الأكبر. فلا تجده يتذمر من الكمامة او الإجراءات الوقائية بل تراه متأقلماً مع كل هذه العقبات بانضباط تام و إصرار فهو سريع التأقلم مع الواقع ليجتاز هذه المرحلة بنجاح.
ختاماً، أعلم أن هناك الكثير من السلبيات في الإدمان على الألعاب الإلكترونية وله مخاطر كثيرة. لكن لا بأس ببعض “الgamification” تحت إشراف الأهل إن كان سيساعد في تعزيز مبادئ رئيسية في شخصية أولادك.