بداية أود أن أشدد على أنني لست شيخا او عالما دينيا، أنا مجرد مهندس لدي بعض المقاربات أحببت أن أشاركها معكم.
كثر في السنوات الأخيرة الحديث عن البلوك شاين Blockchain و العملات التشفيرية cryptocurrency و ذاع صيتها على أنها تكنولوجيا المستقبل وبداية الاقتصاد العالمي الجديد. دعونا نرى ما هي هذه التكنولوجيا و كيف تعمل.
ما هي البلوك شاين و ما هي العملات التشفيرية؟
بتعريف بسيط ، وقبل أن ندخل في التفاصيل، البلوك شاين هي تكنولوجيا لتخزين المعلومات و حمايتها، و العملات التشفيرية هي إحدى تطبيقات هذه التكنولوجيا.
منذ بداية عصر التكنولوجيا و الكمبيوتر و نحن نعتمد على الData Centers لتخزين المعلومات المهمة و حمايتها عن طريق برامج حماية و الFirewall و هندسات معينة لتصميم الشبكة داخلها Network Architecture. فتجد أن المصرف مثلا لديه Data Center خاص به يجمع كل معلوماته و معلومات عملاءه الرقمية فيه. و أكبر خطر يهدد هذه البنك هو إختراق الداتا سنتر من الخارج والعبث بالمعلومات بهدف القيام بحوالات غير شرعية و سرقة الأموال. و قد حدث ذلك سابقا.
هنا جاءت تكنولوجيا البلوك شاين لتحمي هذه الداتا بطريقة أخرى, فبدل جمع الداتا بمكان واحد centralized data او المركزية المعلوماتية اعتمدت البلوك شاين مبدأ decentralized data أو اللامركزية المعلوماتية.
كيفية عمل البلوك شاين
لنأخذ العملات التشفيرية كمثال، من اسمها بلوك شاين، فهي سلسلة من البلوكات، كل بلوك يحتوي على ثلاثة أشياء، الداتا، الهاش الخاص به، والهاش للبلوك السابق. داتا البلوك الواحد في العملات التشفيرية مثلا تحتوي على عملية تحويل واحدة مكونة من المرسل، المرسل إليه، والرصيد المرسل. الهاش الخاص بالبلوك هو تسلسل أرقام و حروف بمثابة بصمة خاصة لهذا البلوك مع الداتا الموجودة بداخله. و يحتوي أيضا على الهاش للبلوك السابق لكي يعرف دائما البلوك السابق له و بالتالي تكون السلسلة متواصلة و محمية من أي انقطاع.
لنفرض أن لدينا سلسلة من ثلاث بلوكات ١ و ٢ و ٣. و كل بلوك يحتوي على الهاش الخاص به و الهاش للبلوك السابق. والبلوك الأول ليس لديه بلوك سابق له لذا يسمى genesis block (المستند رقم 1). لنفرض انه حدث تغيير او خطأ بالبلوك الثاني فهذا يغير الهاش الخاص به و بالتالي تنكسر السلسلة عند هذا البلوك لأن البلوك الثالث لم يعد يستطيع التعرف عليه.
يبقى المرحلة الأخيرة للحماية التامة لهذه السلسلة، وهي جعلها متاحة للعامة و أي أحد يستطيع الانضمام، وذلك يكون بنسخ السلسلة كاملة لديه وبهذا يكون قد شارك في السلسلة و بنفس الوقت أضاف نقطة حماية اضافية للسلسلة(المستند رقم 2). فإذا أردنا إضافة بلوكات جديدة للسلسلة لا بد من إضافتها عند جميع المشتركين، و في حال حدث أي تغيير لدى أحد المشتركين ينكشف ذلك مباشرة بعد التحقق من الداتا لدى باقي المشاركين و يفصل عن الشبكة، فاذا اردنا اختراق هذه الداتا والعبث بها لابد من اختراق جميع المشاركين في السلسلة بنفس الوقت و هذا من الصعب جدا بل يكاد يكون مستحيلا.
ما هو البلوك شاين الإسلامي ؟
دعونا نرى أين نجد مثل هذه التكنولوجيا سابقا !
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعرف القراءة والكتابة و كان يلقن الوحي إلى أصحابه ليكتبوه، و بعد نزول آخر آية من القرآن حفظه الحفظة من الصحابة عن ظهر قلب، و حتى في زمن عثمان بن عفان حين جمع القرآن في مصحف واحد كان هناك عدد من حفظته ليشرفوا على دقة هذه العملية. و مع ذلك لم يعتمدوا على المصحف المكتوب، بل بقي الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا يتناقلونه شفهيا و تحفيظا من جيل إلى جيل بسند متصل إلى رسول الله (سأضيف في التعليقات سند متصل من أحد حفظة مدينتي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). فكل حافظ للقرآن بات يمثل إحدى بلوكات السلسلة و إسمه عبارة عن الهاش الخاص به و اسم شيخه هو الهاش للبلوك السابق.و كل حافظ لكاتب الله يحفظه لعدد من الشباب في زمانه و يجيزهم بذلك لكي يستطيعوا بعد ذلك تحفيظه لمن بعدهم. فتشعب السند على مبدأ الtree diagram(المستند رقم 3) من أصل واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وصولا إلى يومنا هذا و كل يوم يزيد عدد حفظة القرآن, مجموعة من البلوك شاينز البشرية و تزيد يوما بعد يوم في الانتشار ما يزيد من حماية القرآن من أي تغيير.
فلو أنهم اعتمدوا على مصحف واحد مكتوب بين يدي الخليفة كان من السهل “اختراق” الحماية و تغيير الداتا داخله دون أن يعلم أحد. و لكن يبقى القرآن محفوظا في صدور المؤمنين و ليس في المصاحف الورقية المكتوبة. و هذا ينسف أي نظرية أو رواية تلمز أو توحي أن القرآن قد تعرض لأي تعديل على مدى أكثر من 1400 عام.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
(9) – سورة الحجر